واحة التفكير

الشخصنة .. والخبير

الجمعة 8 شعبان 1435 هـ الموافق 6 يونيو 2014 م

قف ! أمامك منحدر ...

 

الشخصنة .. والخبير

 

 

 

سألت إحدى الموظفات زميلاتها عن آرائهن بالقرار الأخير الصادر من مديرة المؤسسة؛ فقالت إحداهن: فلتُحْسِن مديرتنا انتقاء ملابسها وتناسق ألوانها أولاً، ثم تُصدر التعليمات والقرارات الإدارية كما تشاء !

وقالت أخرى: كلنا نعرف بُخل مديرتنا، فهل تنتظرون منها توزيع المكافآت بدل إصدار القرارات المزعجة ؟!

 

الزميلتان هنا لم تناقشا صلب الموضوع ولم تتطرقا للقرار الصادر من حيث نفعه أو ضرره على المؤسسة؛ بل قامتا بالهجوم على "شخص" صاحبة القرار وتجريحها...

 

هذا الفعل يُعرف في باب المغالطات وسفسطات الحوار بـ "سفسطة تجريح الشخص" أو "التهجم على الشخص" أو "الشخصنة".

 

 

مثال آخر ،،

يخرج لنا أحد العلماء في وسائل الإعلام ليحدثنا عن أحدث النظريات والمكتشفات العلمية وسبل الاستفادة منها وما يترتب عليها في مستقبل البشرية... فتجد أحد زملاء دراسته يقول: "لقد كان هذا الشخص دائم الشجار مع أولاد المدرسة..!" في دعوة ضمنية – وأحياناً تكون صريحة – لعدم الاستماع إلى هذا العالِم وعدم قبول أفكاره وطرحه..

 

قد تكون الصفة أو الآفة المذكورة متحققة في الشخص فعلاً، وقد لا تكون فيه؛ وفي الحالين ما دامت هذه الصفة لا تؤثر في صحة القضية المطروحة ولا تنقضها فإن إقحامها فيها بغرض صرف المستمعين عن قبول طرح المتكلم يعدّ مغالطة.

فعلينا التنبه إلى هذه الممارسات من حولنا؛ والتمييز بين: "نقض القضية ذاتها بالحجة والبرهان" وبين: "الهجوم على شخص المتحدث والنيل منه".

 

 

 

ثمة نوع آخر من سفسطات الحوار، وهو من المغالطات شائعة الاستخدام والقبول، وقد نرتكبها بغير قصد أو بغير وعي منا.. وهي"سفسطة الخبير"، أو ما يطلق عليه "سفسطة السُلطة العلمية"..

 

وصورة هذه السفسطة أن يستشهد المتحدث بقولٍ لأحد المشاهير والمختص في مجال ما، لكن في قضية مغايرة تماماً لمجال تخصص وخبرة هذا "الخبير"..!

 

مثال ذلك ،،

يدور بيني وبينك حوار حول قضية سياسية معينة، فتخالفني الرأي؛ ولأقنعك بصحة رأيي وقوته أقول لك : إن "فلاناً" يقول بمثل قولي ويؤيد الموقف/الحزب/الرأي الذي أؤيده ... والحقيقة أن "فلاناً" هذا هو خبير في التنمية البشرية مثلاً أو في علم الفيزياء أو قد يكون داعية معروفاً، لكنه ليس خبيراً في الشؤون السياسية ولا متخصصاً فيها..

 

وبعض الناس يقبل بهذا الرد تساهلاً، ولا يتوقف أمام اختلاف تخصص وخبرة الخبير المذكور عن موضوع الحوار..

 

 

ومِن صُوَرِ هذه السفسطة، أن يزعم المتحدث أنه هو شخصياً خبيرٌ في المسألة محل النقاش؛

وبهذا لا يدع للآخَر فسحة للتمسك برأيه على اعتبار أنه جاهل بالموضوع أساساً، أو أن عِلمه فيه لا يرقى لمرتبة المتحدث "الخبير"..

 

 

ومن صورها كذلك ما يُطلق عليه "الخبير المجهول"..

إذ ينسب المتحدث قولَه إلى جهة لا يصرّح بها، فيقول على سبيل المثال :

قرأتُ في كتاب مختص أو في مجلة علمية متخصصة .../ سمعتُ عالِماً كبيراً في هذا المجال يقول بكذا.../ جميع العلماء يشهدون بأن .....

 

 

وهنا على المُحاور قبْلَ قبول الحُجة التدقيق في :

- ماهية هذا المرجع/الخبير المجهول وهل يصح كمرجع في القضية ؟

- قصْد المرجع/الخبير المذكور من هذا القول المنقول عنه على وجه الدقة – إن ثبت عنه حقاً – وهل قصَد ما ذكره المُحاور أم له قصد مغاير..

- معرفة آراء غيره من الخبراء في القضية ..

 

 

 

 

كانت هذه بعض أكثر المغالطات شيوعاً بين المتحاورين ..

وإلى لقاء متجدد للتعريف بمغالطات أخرى ..

دمتم في سعادة

 

؛